Sunday, October 20, 2013

النظر بريد الزنا: الشيخ زيد البحري


النظر بريد الزنا




فضيلة الشيخ بن مسفر البحري



أما بعد ، فيا عباد الله :

إنّ من أعظم المفاسد التي تحل بالمجتمع ، هي مفسدة تلويث الأرحام ، وتدنيس الأنساب ، ونشوب الحرب والعداوة والبغضاء بين الناس .

تُرى ما هي هذه المفسدة التي تحدث في المجتمع ، إنها مفسدة وجريمة الزنا .

لم يقل الله عزّ وجلّ )) ولا تزنوا )) قال : {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى { ، لم ؟

لأنّ النهي عن قرب الزنا نهيٌ عن الزنا وزيادة ، فإنّ قوله {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى { أي لا تقربوا الوسائل التي تقربكم إلى الزنا : كالنظر والظنِّ ، واللمس ،.....، ونحو ذلك مما يدعو الإنسان إلى الوقوع في جريمة الزنا .

ولذا قال تعالى{وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً}الإسراء32

ولعظم جريمة الزنا ، ولتناهي خطرها قرنها جلّ وعلا بالشرك به ، وبقتل النفس بغير حق .

قال تعالى : {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ{

ومن ثَمّ تأتي مقولة الإمام أحمد رحمه الله إذ قال : (( لا أعظمُ جريمة أعظم بعد قتل النفس بغير حق من جريمة الزنا )).

ولما كان للزنا وسائل ، ومن أعظم وسائله النظر ، قدمه عزّ وجلّ في الذكر على حفظ الفرج ، قال تعالى في سورة النور : {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ{ .

فقدم غض البصر على حفظ الفرج ، لمَ ؟

لأنّ النظر وسيلة سريعة إلى الوقوع في الزنا ، {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ{

ولذا قال الشاعر :

كل الحوادثِ مبدأها من النظــــرِ


ومعظم النار من مستصغر الشــــررِ


والمــــرء مادام ذا عينٍ يقلبهـــا

في أعين الغير موقوفٌ على الخطـرِ

كم نظرةٍ فعلتْ في قلب صاحبها

فعلَ السهـام بلا قـــــوسٍ ولا وتــــــرِ

يسرُّ ناظــــرَه ما ضرَّ خاطــــــرَه

لا مرحبـــــاً بســرورٍ عاد بالضــــــررِ


يتطلَّع بعينيه إلى ما حرَّم الله عزّ وجلّ ، وفي غالب أحواله لا ينال ما نظر إليه ، حتى لو ناله ووقع في لذة الزنا ، فإنّ هذه اللذة تعقبها حسراتٌٌ وآلام .

ولذ قال بعض السلف : (( مَن نظرَ خطرَ ، ومَن خطرَ خطا، ومن خطا أخطأ )).

معنى هذا الكلام :

أنّ النظر بريدٌ إلى أن يوقعَ في النفس خطراتٍ للوقوع في الزنا ، فإذا وقعت الخطرة في القلب ، خطتْ ومشتْ القدم إلى فعل هذه الفاحشة ، ثُمّ بالتالي يقع في الخطأ الذي هو الزنا .

ولذا قال بعض السلف : (( من أطلق بصره أورده الموارد )).

يقول النبي صلى الله عليه وسلم – كما في مسند الإمام أحمدَ وسنن أبي داود- قال :

(( لا تتبع النظرة النظرة ، فإنّ لك الأولى ، وليست لك الثانية )) .


بعض الناس يقول : إني لم أنظر إلا نظرةً واحدةً ، ينظر نظرة واحدة ، فيمعن النظر في المنظور إليه ، ويدقق بصره فيه ، ويقول : إنما هي نظرةٌ واحدة ، ولم أعد طرفي إليه .

ونقول له : انظر ، واسمع إلى ما قاله عليه الصلاة والسلام في بيان هذا الحديث ، لما سأله جرير – كما في صحيح مسلم ، لما سأله عن نظر الفجاءة ، قال : (( اصرف بصرك )) من حين ما يقع بصرك على ما حرم الله عزّ وجلّ .

فيجب عليك أن تكفَّ هذا البصر .

ولذا قال عليه الصلاة والسلام – كما في صحيح مسلم ، مُحذِّرا من أن يقع الإنسان في مثل هذه الفواحش ، والرذائل ، والمستنقعات ، والمستخبثات .

قال لأصحابه ذات يوم : (( إياكم والجلوسَ في الطرقات .))

لأنّ الجلوس في الطرقات عرضة لأنْ يمرَّ بها نساء . : (إياكم والجلوس في الطرقات ).

قالوا : يا رسول الله ، ما لنا بدٌّ من الجلوس.

فقال عليه الصلاة والسلام : فإن أبيتم إلا الجلوسَ فأعطوا الطريقَ حقه .

قالوا : وما حقُّ الطريق يا رسول الله ؟

قال : غضُّ البصر ، وكفُّ الأذى ، ورد السلام )).

يقول بعض السلف : هي أربع لا غير :

عينك ، لسانك ، قلبك ، هواك .

عينك : لا تنظر بها إلى ما لا يحلُّ .

لسانك : لا تقل به ما يخالف قلبك .

قلبك : لا يكون فيه غلٌّ ولا حسدٌ على إخوانك .

هواك : لا تهوى به شرّاً .

فإن لم تكن فيك هذه الخصال ، فاحثو على رأسك الرماد ، فقد شقيتْ .


ولذا قال الجُنيْد : اصرف همَّك إلى الله .

ليكن همُّك ، بصرك ، حركاتك ، حياتك ، أنفاسك ، لِتكن هذه كلها لله عزّ وجلّ .

(( اصرف همَّك إلى الله ، ولا تنظر إلى ما حرَّم الله بالعين التي ترى بها الله عزّ وجلّ ، فتسقط من عينه )) .

ابن مسعودٍ رضي الله عنه ، رأى رجلاً ينظر إلى امرأة ، ويتابعها ، ويسارقها النظر ،

فقال رضي الله عنه : والله لو انفقأت عينك لَكان خيراً لك من أن تنظر إليها .


عجوزٌ ذات جمال مرَّت بطريق ، فإذا برجلٍ ينظر إليها ، فماذا قالت هذه المرأة ؟

قالت : ما أحوجك إلى ما يكفُّ بصرك .

ولذا جاءت أبيات الشعراء تنبئ عن نزاهة بعضهم ، وعن حفظ أبصارهم عن نساء وبنات جيرانهم :

هذا أحدهم يقول :

ما ضرَّ لي جـــــارٌ أجاوره ألَّا يكـــــون لبــــابه ستـرُ

أعمى إذا ما جارتي خرجت حتى يواري جارتي الخدرُ

وتصمُّ عمّا بينهـــم أذنـــــي حتى تصيــــر كأنه وقْـــرُ


ليس حديثي عمّا يُرى في الأسواق ،من فعل بعض الشباب ، أو من فعل بعض الناس ،

حينما يذهب إلى الأسواق ،ويتابع محارم الناس ، أو في المنتزهات ، أو في الأماكن العامة فحسب ، لا إنما الحديث يتجاوز إلى ما هو أكبر ، وأعظم ، وهو النظر إلى تلك النساء العاريات عبر الشاشات .

بصرك نعمة من الله عزّ وجلّ عليك يا عبدَ الله ، فعليك أن تحفظها .

كم نظرة إلى تلك النساء العاريات أحدثت مشاكل بين الرجل وزوجته؟

كم نظرة إلى تلك النساء العاريات الفاضحات أحدثتْ بغضاً ، وفرقة بين الرجل وبين زوجته ؟، فأصبح يبغضها ، يكرهها ، حتى إنّه في حال جماعها لا يرغبُ فيها ، إنما هو من أجل قضاء الشهوة فقط ، لم؟

لأنه صرف نظره إلى ما لا يحل .

ولذا الربيع بن خيثم – رحمه الله – وهو من كبار التابعين ، مرّتْ به نسوة ، فغضّ طرفه حتى تلمَّسَ الجدار ، فجعل هؤلاء النسوة يستعذن بالله عزّ وجلّ من العمى .

ظننَّ بهذا الرجل عمى ، وليس به عمى ، إنما به حفظ بصره عمّا حرّم الله عزّ وجلّ ، ولذا يقول الحسن البصري – رحمه الله - :

( من أطلق طرفه ( يعني بصره ) طال أسفه )، تأتيه الحسرات ، تأتيه الآهات ، وهو لا يستطيع أن يصل إلى ما نظر إليه .

حتى لو وصل فإنّها فاحشةٌ ، ذميمةٌ تجرُّه إلى مصائب وبلايا لا يعلم عظمَ كنهها إلا الله عزّ وجلّ .

ولذا قال بعض العلماء : كما أنّ أول الحريق الشرر ،فإنّ أول العشق هوالنظر.

ولذا يقول رجل كان يطوف بالبيت – بيت الله الحرام – لكنّ هذا الرجل لم يغضّ طرفه

وهو بالمطاف ، في بيت من بيوت الله عزّ وجلّ – أما يخشى أولئك الذين يتتبعون المحرمات في بيت الله عزّ وجلّ في بيت الله الحرام عند الكعبة أنْ يُنزلَ بهم عزّ وجلّ سخطه ، ومقته ، وسوءَ عذابه – يقول – لما طاف وانشغل قلبه - :


قال :

ما كنتُ أحسبُ أنّ الحبَ يعرض لي

عند الطواف ببيت الله ذي الستر

حتى اُبتليتُ فصار القلـب مُختبنـــــاً

من حبِّ جارية حوراءَ كالقمـــرِ

يا ليتني لم أكن عاينتُ صورتهـــــا

لله مـــاذا توخَّـــاه لي بصــــري


ولذا قال آخر - يندب عينه ، وفي لحظة يندب قلبه ، فهناك خصامٌ بين القلب والعين

أيهما الذي ظلم الآخر ، واعتدى عليه ؟

يقول بعض الشعراء :

قلبي يقول لطرفي(يعني لبصري ) .

قلبي يقول لطرفي هِجتَ لي سقما

والعين تزعُمُ أنّ القلبَ أبكاها

والجسم يشهد أنّ العيــــن كاذبةٌ

هي التي هيَّجتْ للقلب بلواهـا

لولا العيون وما تجنين من سقمِ

ما كنتُ مطَّرحا في شرِّ مرَّاها


وقال آخر :

يا ربِّ ماذا جنت عيني على بدني

من السقام يا ليت العين لكم تكــــنِ

لم تذهب النفس إلا عند لحظتهـــا

وحسبك أنْ ترى المملوك يملكنــي

جسمي وروحي مقرونان في قرن

مُوَكَّلانِ بطول السقــم والحَـــــزَنِ


حتى إنّ النظر كما قال السلف لا يتعدّى إلى النساء فقط ، بل إلى المردان ،

الأمرد : الذي اخضرَّ شاربه ، فإنه لا يجوز أن يُنظَرَ إليه .

ولذا قال النخعي – رحمه الله - :

( هم بمنزلة النساء ، هم بمنزلة النساء )

ولذا الحسن بن البزَّارلما أتى إلى الإمام أحمد رحمه الله ومعه غلامٌ له ، جاء ليحادثه ، ويُسلِّم عليه ، فلمّا أراد أن ينصرف له ، قال له : إياك أن تصحبَ هذا الغلام معك .

قال : إنه ابن أختي ( يعني أنا خاله ) .

فقال : حتى ولو كان لا تؤثِّم الناس فيك .

يقول : لا تُؤثِّم الناس فيك ، لأن ّمن رأى معك هذا الغلام ظنّ بك ظنّا سيئا .

ولذا يقول ابن الجوزي رحمه الله – في ملخّص كلامه ، وفي مجمل كلامه - :

(( كل مَن كان محلّا للشهوة فلا يجوز أن يُنظَر إليه نظرة إعجابٍ وإكبار، حتى ولو كان ابن شهرين ، يقول رحمه الله : حتى لو كان ابن شهرين ، حتى لو كان ابن خمسين سنة

لأنّ الشعر قد يزيد بعض الناس حسنا على حسنه)).

عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، كما هو شأنه لما تولّى الخلافة ، كان رضي الله عنه يتعسَّس أحوال الرعية ، فبينما هو في ذات ليلة – انظروا إلى عمر رضي الله عنه ، كيف يسدُّ منافذ الوصول إلى الفاحشة .

سمع امرأة ، وهي تغني ، بأبيات من الشعر ، تتغزّل ، فمن بين أبياتها تقول :

هل من سبيل إلى خمر فأشربها

أم من سبيل إلى نصر بن حجّاجِ

إلى فتىً ماجد الأعــــراق مُقتبلٌ

سهل المحيّا كريمٌ غير مُلجـــاجِ

فلما أصبح رضي الله عنه ، قال :

أوَ تتغزل النساء في رجلٍ في أرضي ! أين نصر بن الحجاج ؟

فأُتي به ، فإذا به من أجمل الرجال ، فدعا رضي الله عنه بالحلاق ، فجاء فقال جُزَّ شعره .فلما جَزّ شعره إذا بوجنتيه تظهر فيصبح هذا الرجل كالقمر ، فأمره أن يعتمّ ( أن يلبس عمامة ) من أجل أن يذهب عنه هذا الجمال ، فازداد حسناً على حسن .

فماذا قال عمر رضي الله عنه ؟ قال : اذهب إلى البصرة .نفاه من المدينة ، قال : اذهب إلى البصرة .

فلما سمعت تلك المرأة لما جرى لنصر بن حجاج ، خافت من بطش عمر رضي الله عنه ، فماذا فعلت هذه المرأة ؟ دسّت أبياتاً إلى عمر ، فكانت تقول في هذه الأبيات :

قل للإمام الذي تُخشَى بوادره

ما لي وللخمر أو نصر بن حجاجِ

إني غنيتُ أبا حفصٍ بغيرهما

شربُ الحليبِ وطرفٌ فاترٌ ساجي

إنّ الهوى ذمَه التقوى فقيـــده

حتـــى أقـــرّ بإلجـــامٍ وإخــــراجِ

لا تجعل الظنّ حقاً أو تبينـــه

إنّ السبيل سبيـــل الخائف الراجي

فبعث إليها عمر رضي الله عنه ، وقال : إني لم أخرجْه من أجلكِ ، وإنما أخرجته من أجل ألا تعشقه نساء المدينة .

ومرت الأيام ، وإذا بأمير البصرة يقول : إنّ خطاب أمير المؤمنين سيتوجه إلى المدينة

فمن كانت له حاجةٌ فليقدمها .

فماذا صنع نصر بن حجاج ؟

كتب أبياتا في ورقة ، فدسها ، ليتلطف ، ويستعطف بها عمر رضي الله عنه ،

فقال :

أإنْ غنّت الزلفاء يوما بمنَّـــــةٍ

وبعض أماني النساء غرامُ

ظننت بي الظنّ الذي ليس بعْده

بقاء فما لي في الندِي كلامُ

ويمنعني مما تظـــــنُّ تكرُّمــي

وآباء صدقٍ سالفـــون كرامُ

ويمنعني مما تظنُّ صلاتهــــــا

وحالٌ لها في قومها وصيامُ

فهذان حالان فهل أنت راجعي ؟

فقد جُبَّ مني كاهلٌ وســلامُ

فقال رضي الله عنه :

(( أما ولي سلطانٌ في المدينة ! والله لا تعود إليها أبداً ))

فلما تُوفي رضي الله عنه ، رجع نصر بن حجاج ، ولم يدخل المدينة إلا بعد وفاة عمر .


فانظروا – رعاكم الله – كيف منع عمر رضي الله عنه كلَّ طريق يأتي بالفاحشة إلى الناس؟!

ولذا النبي عليه الصلاة والسلام – لخطورة النظر ، كما جاء في الصحيحين – قال :

(( لو أنّ امرأً اطّلع في بيتك فحذفته بحصاةٍ ففقأتَ عينه ، فليس عليك جناح ))

لو أنّ شخصاً نظر إلى بيتك من خلال نافذةٍ ، أو من خلال ثقب الباب ، فحذفته بحصاة ففقأت عينه ، فإنه ليس عليك جناحٌ ، ولا يلزمك دِيَةٌ ، ولا يحلُّ بك إثم .

ولذا النبي عليه الصلاة والسلام – كما في الصحيحين – قال : (( إنما جُعِلَ الاستئذان)) – لماذا نستأذن في بيوت الناس ، أو لماذا نستأذن على بناتنا الكبار ، أو لماذا يستأذن الأولاد على أمهاتهم ، أو على آبائهم ؟

قال عليه الصلاة والسلام – كما في الصحيحين - : (( إنما جعل الاستئذان من أجل النظر ))

النظر – عبادَ الله – عاقبته عاقبةٌ وخيمة .


أسأل الله عزّ وجلّ أن يحفظ أبصارنا ، وأن يحفظ فروجنا .

أقول ما تسمعون ، وأستغفر الله لي ولكم ، فاستغفروه ، وتوبوا إليه ، إنّ ربي كان توابا رحيما .


الخطبة الثانية


الحمد لله رب العلمين ، والعاقبة للمتقين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله إمام المهتدين المقتدين ، صلى الله عليه ، وعلى آله ، وأصحابه ، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد ، فيا عباد الله :


الإنسان لا يأمن أن يخطف الله عزّ وجلّ بصره في يوم من الأيام ، وقد وقعت وقائع في عصر من مضى .

ولذا عمرو بن مرَّة يقول : نظرتُ ذات يومٍ إلى امرأة ، فخُطٍفَ بصري ، فأجو أن يكون ذلك جزائي في الدنيا .

انظروا لا تأمن مكر الله ، لا تأمن عقاب الله عزّ وجلّ ، الله جلّ وعلا أسدى إليك نعمة البصر ، من أجل أن تنظر بها إلى ما ينبغي أن يُنظَر إليه في المطالعة فيه :

الكتب النافعة ، في المجلات النافعة ، المطالعة في كتاب الله عزّ وجلّ .


البصر نعمة من الله عزّ وجلّ عليك ، فلا تأمن أن ينزل بك في يوم من الأيام ، في وقتٍ لا تحسبُ له حساباً ، أن ينزل بك عذابٌ من الله عزّ وجلّ فيخطف منك هذا البصر الذي هو من أعظم النعم .

ولذا النبي عليه الصلاة والسلام يقول – كما في الحديث القدسي - : (( إذا ابتليتُ عبدي بحبيبتيه فصبر( يعني عينيه ) عوّضته عنهما الجنة)

فجعلها بمنزلة الحبيبتين لأنها من أعظم النعم التي ينعم الله عزّ وجلّ بها على العبد .

ولذا بعض السلف ، يقول : إذا أردت أن تعرف قدر نعمة الله عليك فغمضّ عينيك برهةً من الزمن .

أغمض عينيك دقيقة ، أو نصف دقيقة ، أو أقلَّ من ذلك تشعرْ بعظيم نعمة الله عزّ وجلّ عليك .

ولذا قلْ لمن ينظر إلى ما حرّم الله عزّ وجلّ إلى ما قاله أبو عبد الله البلخي لما رأى رجلا – وهو من الأتقياء ، فالإنسان لا يأمن على نفسه ، لكن على المسلم العاقل أن يبعد نظره عمّا لا يحلّ ، حتى لو خطر في النفس أن يقول : لعلي أنظر إلى قسمات وجهه ، لا من أجل أن أُعجبَ به ، لا بل امنع بصرك مطلقا من أن تنظر إلى ما لا يحل ،لا إلى امرأة ، ولا إلى أمرد - قل لهؤلاء ما قاله أبو عبد الله البلخي لرجلٍ فيه تقىً يحفظ القرآن ، فلما رأى هذا الرجل الذي يحفظ القرآن ، وإذا به ينظر إلى رجل نصراني

قال : والله لتعرفَنَّ مغبَّتها بعد حين .

يقول هذا الرجل : والله لقد أُنسيتُ هذا القرآن أربعين سنة .

أُنسي القرآن عقوبةً من الله عزّ وجلّ .

ولذا بعض من في سنِّ الخمسين - كما ذكر أظنه ابن الجوزي ، أو ابن القيم – لما نظر إلى ما لا يحل جاءته صفعةٌ على عينه ، فسقطت عينه على خده ، فقال : آه

جاءته ضربة أخرى ، فقال : آه .

قال : لو زدتَ لزدناك ، لو زدتَ لزدناك .

فكما قال الشاعر :

ليس الشجاع الذي يحمي مطيَّتـــه

يومَ النزال ونار الحرب تشتعلُ

لكن فتىً غضّ طرفاً أو ثنى بصراً

عن الحرام فذاك الفارس البطــلُ

وقال آخر :

وما النفس إلا حيث يجعلها الفتى

فإن اُطمعتْ تاقت وإلا تسلّتِ

إن لم تقمعها تاقت إلى أن ترى ، لا ترى هذا الشخص بعينه ، أو لا ترى هذه المرأة بعينها ، بل تتطلع إلى أن ترى إلى أخرى ، وأخرى ، وأخرى ، وإن صرفتها تسلّت عما حرم الله .

ولذا جاءت هذه الأبيات ناصعة واضحة :

وما النفس إلا حيث يجعلها الفتى

فإن اُطمعت تاقت وإلا تسلّتِ


فمن غضّ بصره - عباد الله - سلم من آفاتٍ كثيرة لأنّ من كرر نظره لا يأمن أن يُزرَعَ في قلبه زرعٌ من الشرِّ ، لا يستطيع بعد ذلك أن يقلعه ، فيقع في العشق ، وإذا وقع في العشق أصبح أسير هواه .

ولذا يقول بعض السلف :

من راقبَ الله في خطرات قلبه عصمه الله في حركات جوارحه .

والنبي عليه الصلاة والسلام – كما في صحيح مسلم – قال : (( إنّ المرأة تقبل في صورة شيطان ، وتدبر في صورة شيطان ، فإذا رأى أحدكم امرأةً فأعجبته فلْيأتي أهله

فإنّ ذلك يردُّ ما في نفسه )).

فليقتنع بما أباحه الله عزّ وجلّ عليه .

وفي رواية عند الترمذي(فليأتي أهله،فإنّ ما معها مثلُ الذي معها).

فالإسلام سدّ جميع الطرق التي تفضي إلى الوقوع في الفاحشة .

ولذا النبي عليه الصلاة والسلام قال – كما في الصحيحين - : (( لا يخلُونَّ رجلٌ بامرأة إلا مع ذي محرم )) .

ولعظم خطورة البصر، فإنّ الحديث لا يزال متواصلاً بنا في الجمعة القادمة إن شاء الله تعالى .






via منتديات كويتيات النسائية http://www.q8yat.com/t1148735.html

No comments:

Post a Comment