Wednesday, January 25, 2017

أركولوجيا المسخرة!! /مقال

ذات يوم وعندما كان حياً يُرزق يُشاهد قتل وإذلال جيشه للمقاومين خرج علينا شيمون بيريز ليقول لنا بيده التي ترجف كقلبه «إنك حين تشتري بضائع يابانية فإنك تصوت لمصلحة اليابان، فالسلعة ليست مجرد شيء وإنما هي رمز لليابان، واليابان هنا يعرف باعتباره بلداً منتجاً للسلع، أي وطن اقتصادي.. ولذلك عليكم أن تتعاونوا مع إسرائيل لجعل الشرق الأوسط منطقة اقتصادية، بمعنى أنه علينا أن نصوت للشرق الأوسط».

بصراحة يا شوشو (دلع شيمون بالعبري) واسمح لي أن أدلعك على اعتبار أنك قد هلكت ورحلت إلى عالم السماء حيث العدل فقط بلا دلع ولا سلطة هناك، وعلى اعتبار أيضاً أن التطبيع قادم قادم على الأرض، بما إن الاعتبارات الاقتصادية مقدمة على أي شيء آخر!

نحن يا شوشو نقدر حرصك وخوفك علينا ومنا، ولكننا منذ زمن ونحن كعرب نصوت على أنفسنا ولا نريد أن نصوت لأحد.

لقد ادعى الفيلسوف الفرنسي (ميشيل فوكو) في كتابه (أركولوجيا المعرفة) أن التاريخ ليس في حالة اتصال ولكنه في حالة انفصال، ونحن كمسلمين نعتبر هذا الفيلسوف تفكيكياً وعدمياً وابن ستين في سبعين، ولكننا في نفس الوقت أثبتنا أن فلسفته تنطبق علينا.

فما بين القومية العربية وما بين إنشاء مطاعم أميركية علاماتها تخترق الآفاق وما بين التطبيع الاقتصادي مع الكيان الصهيوني يوجد تاريخ منفصل وغير متصل أغفل عنه المؤرخ أو تغافلته المطابع.

يقول الصحافي الأميركي (توماس فريدمان) إن الدول التي بها مطاعم أميركية لا يمكن أن تقوم في ما بينها حروب، ولعل الصحافي يقصد أن جميع الدول التي خضعت للنمط الاستهلاكي الأميركي قد اتفقت في ما بينها على رؤية موحدة للكون تحت إشراف صندوق النقد الدولي، وهذا ما أشار إليه الفيلسوف (عبدالوهاب المسيري) رحمه الله.

ولا تعتقد عزيزي القارئ أني أدعوك للمقاطعة وألا تكون كائناً اقتصادياً استهلاكياً كما كان يفعل المسيري حتى بح صوته، لا يا صديقي، فهذا قرار يحتاج فتوى من الأوقاف أو قانوناً من النواب، وليس مقالاً من كاتب طائش وعائش على الهامش... ولكن كل ما أردت قوله للسيد شيمون بيريز إننا قررنا أن نصوت لمصلحة أميركا وأننا نحب أميركا وسياراتها وبيتزتها وقهوتها، ونحب أن نتصور بجانب تمثال الحرية، ونزور «ديزني لاند»، ونشاهد أفلام هوليوود، حتى إننا نمارس أخص خصوصياتنا في الغرف المغلقة على الطريقة الأميركية!

ولا تعتقد عزيزي القارئ أنني أمارس جلد الذات معك، فأنا شخصياً قد وعدت ابنتي أن أستخرج لها فيزا أميركية، وقد أطلقت هذا الوعد لها أثناء قيادتي لسيارتي الأميركية ونحن ذاهبون لنشتري لأمها هاتفاً أميركياً، ونستمع لتحليل إذاعي لكيفية انتقال السلطة السلمي في أميركا، وتصدير الثورة عندنا، وعن سيادة القانون هناك في أميركا وسيادة الرئيس هنا في الشرق الأوسط.

والسؤال الآن.. لماذا لا نصوت لأوطاننا بدلاً من أن نصوت لأميركا أو غيرها؟

الإجابة باختصار لأن أوطاننا لم تصوت لنا منذ البداية ولم تعمل على بناء الإنسان بقدر العمل على بناء العمران، وبالتالي عندما خرجت شعوب من أقصى الأرض وشاهدنا ما عندهم ولاحظنا أن لديهم ما يقدمونه، فوراً قررنا أن نصوت لهم حتى لو طمست هويتنا ورؤيتنا للكون والحياة والأخلاق والدين.

نحن لم (نتأمرك) ولكننا بحثنا عن البدائل، فسوبر مان هو بديل الزير سالم، وبات مان بديل أبو زيد الهلالي.. كل ما في الأمر أننا لم نجد أحداً يصوت لنا، ولذلك قررنا أن نصوت على أنفسنا أحياناً ولهم غالباً.

بل إننا كعرب تابعنا بحرص كل كلمة قالها ترامب لأننا نعلم أن الانتخابات تجرى هناك... والسياسات والبرامج الانتخابية تُطبق هنا.

وقبل أن تتهمني أيها القارئ الهمام أنني من أولئك الذين يجعلون الحياة أكثر سوداوية ولا يقدمون الحلول... فأنا أقترح عليك أن تقص هذا المقال وتضعه سفرة لطعام الغداء، ولكن أرجوك أن تتصل بي لكي أشاركك فيه ثم نجلس ونلعن أميركا وإسرائيل دون أن نفكر ولو للحظة واحدة كيف نجعل من أوطاننا دولاً قادرة على النهوض من فراشها وغسل الكائنات الطفيلية التي علقت بها، ثم السير بالبلاد لمكان جديد، ليس لكي تنام في فراش آخر، بل لكي تسير خلف قطار الحضارة الذي نرسم نحن قضبانه، وليس المرسوم على أوراق a4 المرسلة من صندوق النقد.

****

قصة قصيرة:

متفائل:

الحضارة الحديثة هي طبق من ذهب قدمته الرأسمالية للعالم.

مكتئب:

الحضارة الحديثة هي سجادة نسجتها أميركا وزخرفها الخيال العربي.

كاتب كويتي



أركولوجيا المسخرة!! /مقال

No comments:

Post a Comment