الجميع يأتي إلى قريتي!
قريتي أصبحت معلماً سياحياً في الفترة الأخيرة، يزورها العديد من الأفراد محملين بالكاميرات والعدسات بأحجامها المختلفة، يأتون للقرية ليس بسبب جمالها ولكن بسبب بؤسها... يسميها أحد كبار السن في القرية الذين يرافقون المتطوعين في تنقلاتهم «السياحة التطوعية»!
مرحبا...أنا عبدالقادر، لم أعرفكم على نفسي، عبدالقادر هو اسمي الذي أطلقته علي جدتي، عندما لاحظت أن أمي وأبي لم يكونا متحمسين لتسميتي... في الواقع هم لم يكونا متحمسين لبعضهما أصلا... لذلك بقيت بلا اسم سبعة أيام.
أفريقا القارة البائسة... هي موطني.
في الفترة الأخيرة وبعد أن خرج المستعمر من أرضنا وهو يرتدي البنطال والقبعات الدائرية ونحن نرتدي زينا التاريخي المطرز بالألوان، عاد إلينا محملاً بالهدايا والكاميرات وهو يرتدي البنطال ذاته... ونحن لا نرتدي شيئا!!
عراة! ولكن روحنا تنبض، بشر سقطوا من قائمة الرأسمالية والعولمة والليبرالية القديمة والجديدة والحداثة وما بعد الحداثة، ومن لستة أجندات التنمية في الأمم المتحدة.
حسنا... دعوني أقول لكم كيف أصاب الترف أياماً في السنة؟
كما قلت لكم فإن قريتي أصبح يأتيها الجميع كمعلم سياحي أهم ملامحه أن مكوناته بشرية، فلا هو معماري ولا فني ولا تاريخي ولا ثقافي ولا موسيقي ولا ديني ولا جنسي ولا سياسي... بل هو معلم بشري يحمل في طياته روحاً تنبض بجميع المعالم السابقة.
الجميع يأتي هنا لكي يلتقط صوراً رائعة وينشرها في مواقع تواصله مع الجمهور الشغوف لكي يرى نظرة البؤس الأكثر تحريكا لمشاعرهم... عدد «الليكات» والتعليقات كفيلة بجعلي أحصل على فرصة أخرى لكي يتم تصويري!
ومع كل فرصة تصوير أعود محملا بأيام من الترف... والعديد من الهدايا.
لذلك فلقد أصبحت محترفا في إظهار هذه النظرة للسائح التطوعي والذي بالتأكيد سيكون سعيدا جدا وهو يملأ فراغ روحه بكمية التعليقات التي تقول له إنه يخوض تجربة مثيرة.
كل ما عليك أن تفعله هو أن تفكر في كلمة تقولها للمصور وللجمهور والذي سيعلق على صورك ونظرتك بكلمات لطيفة أو دعاء أو مشاركة من خلال التبرع... قل له فقط في سرك: تبا لكم، ستظهر النظرة بائسة والصورة جميلة.
يأتي إلينا هنا «ناشونال جيوغرافيك» ومجلات عالمية وفرق تطوعية من جميع انحاء العالم.
وجدت هذا الإعلان في بروشور مع أحد المتطوعين: مع مؤسستنا سوف تحصل على الفرصة لاستكشاف قارة إفريقيا النابضة بالحياة.سواء كنت تود التطوع في أفريقيا من خلال إجازة مهنية أو أثناء دراستك الجامعية، فإن المؤسسة لديها برنامج يناسب اهتماماتك.التطوع في أفريقيا سيوفر لك حيزا رائعا من خلاله ستتمكن من تعلم الكثير عن هذه القارة الرائعة وشعبها .
وفي وقت فراغك نمنحك الفرصة للسفر والتجوال في المدن الأخرى. سواء كان الأمر يتعلق برياضة المشي في أعالي جبال الأطلس بشمال أفريقيا أو الاسترخاء والاستمتاع بأشعة الشمس على شواطئ جنوب أفريقيا، فإننا نضمن لك عدم الشعور بالملل.
كل شخص في مراكز التطوع مع المؤسسة في أفريقيا لديه الفرصة للعيش مع عائلة مضيفة. ستجد أن حفاوة أفراد الأسرة المضيفة لا تصدق إضافة إلى كونهم سيكونون حريصين على معرفة كل شيء عن حياتك وعن بلدك. خذ الكثير من الصور معك وكن مستعدا للكثير من الأسئلة. كل ذلك بمبالغ زهيدة.
منذ فترة أصبح يأتينا شباب الخليج العربي... ظرفاء، يخلقون جوا من المرح في القرية... يعشقون الحياة ويعشقون القهوة ويعشقون هواتفهم.
عندما يرحل الجميع، نبقى كم نحن... بؤساء.
ورغم محاولات البعض المستميتة في إخفاء نظرة العطف، إلا أنهم يفشلون في إخفاء نظرة الإشمئزاز.
إحداهن جاءت بآلات تصوير حديثة ومنوعة، كانت تتجول في القرية وتصور كل ما تقع عليه عيناها... عيناها لم تكن جميلة... عيناك أجمل منها، هكذا قلت لصديقتها التي بدى عليها أنها جاءت من أجل الخدمة والتطوع حقا، وليس من أجل السياحة التطوعية.
إن مفهوماً مثل السياحة التطوعية يقتل مفهوماً أصيلاً مثل التطوع، ليس لأنها معيبة أو أحد مفاهيم الرأسمالية المستفزة، بل هي ربما توفر للشاب تجربة تطوعية مكثفة، ولكن لأنها تجعلنا نحن البشر معروضات لآخرين!
أعتقد أن التوثيق أحد المصادر الأساسية لتجفيف منابع الرحمة وفيضان منابع الأموال.
زوروني في قريتي... صوروني وصوروا جدتي، ولن أمانع من أن أبدي مشاعر اللهفة وأنا أتسلم بعض ما تجود به أنفسكم الكريمة، ولن أمانع من أن أقول كلمة بلغتي الأم للمتابعين لكم في مواقع التواصل أعبر فيها عن شكري للمؤسسة أو للفريق التطوعي أو للقطاع الذي أرسلكم.
ولكني أذكر أننا في أيام قديمة لم نكن نحتاج إلى كل ذلك.
كان من يأتي يعمل في صمت، ونحن نأخذ في صمت.
الصمت بالنسبة لنا رحمة، في عالم مليء بالضجيج في صراعه على الثروات.
جدتي تروي قصصاً كثيرة عن عبدالرحمن السميط، رحمه الله، الذي كان يعمل في صمت... عندما يسقط التوثيق... تظهر الرحمة.
كاتب كويتي
@moh1alatwan
قريتي أصبحت معلماً سياحياً في الفترة الأخيرة، يزورها العديد من الأفراد محملين بالكاميرات والعدسات بأحجامها المختلفة، يأتون للقرية ليس بسبب جمالها ولكن بسبب بؤسها... يسميها أحد كبار السن في القرية الذين يرافقون المتطوعين في تنقلاتهم «السياحة التطوعية»!
مرحبا...أنا عبدالقادر، لم أعرفكم على نفسي، عبدالقادر هو اسمي الذي أطلقته علي جدتي، عندما لاحظت أن أمي وأبي لم يكونا متحمسين لتسميتي... في الواقع هم لم يكونا متحمسين لبعضهما أصلا... لذلك بقيت بلا اسم سبعة أيام.
أفريقا القارة البائسة... هي موطني.
في الفترة الأخيرة وبعد أن خرج المستعمر من أرضنا وهو يرتدي البنطال والقبعات الدائرية ونحن نرتدي زينا التاريخي المطرز بالألوان، عاد إلينا محملاً بالهدايا والكاميرات وهو يرتدي البنطال ذاته... ونحن لا نرتدي شيئا!!
عراة! ولكن روحنا تنبض، بشر سقطوا من قائمة الرأسمالية والعولمة والليبرالية القديمة والجديدة والحداثة وما بعد الحداثة، ومن لستة أجندات التنمية في الأمم المتحدة.
حسنا... دعوني أقول لكم كيف أصاب الترف أياماً في السنة؟
كما قلت لكم فإن قريتي أصبح يأتيها الجميع كمعلم سياحي أهم ملامحه أن مكوناته بشرية، فلا هو معماري ولا فني ولا تاريخي ولا ثقافي ولا موسيقي ولا ديني ولا جنسي ولا سياسي... بل هو معلم بشري يحمل في طياته روحاً تنبض بجميع المعالم السابقة.
الجميع يأتي هنا لكي يلتقط صوراً رائعة وينشرها في مواقع تواصله مع الجمهور الشغوف لكي يرى نظرة البؤس الأكثر تحريكا لمشاعرهم... عدد «الليكات» والتعليقات كفيلة بجعلي أحصل على فرصة أخرى لكي يتم تصويري!
ومع كل فرصة تصوير أعود محملا بأيام من الترف... والعديد من الهدايا.
لذلك فلقد أصبحت محترفا في إظهار هذه النظرة للسائح التطوعي والذي بالتأكيد سيكون سعيدا جدا وهو يملأ فراغ روحه بكمية التعليقات التي تقول له إنه يخوض تجربة مثيرة.
كل ما عليك أن تفعله هو أن تفكر في كلمة تقولها للمصور وللجمهور والذي سيعلق على صورك ونظرتك بكلمات لطيفة أو دعاء أو مشاركة من خلال التبرع... قل له فقط في سرك: تبا لكم، ستظهر النظرة بائسة والصورة جميلة.
يأتي إلينا هنا «ناشونال جيوغرافيك» ومجلات عالمية وفرق تطوعية من جميع انحاء العالم.
وجدت هذا الإعلان في بروشور مع أحد المتطوعين: مع مؤسستنا سوف تحصل على الفرصة لاستكشاف قارة إفريقيا النابضة بالحياة.سواء كنت تود التطوع في أفريقيا من خلال إجازة مهنية أو أثناء دراستك الجامعية، فإن المؤسسة لديها برنامج يناسب اهتماماتك.التطوع في أفريقيا سيوفر لك حيزا رائعا من خلاله ستتمكن من تعلم الكثير عن هذه القارة الرائعة وشعبها .
وفي وقت فراغك نمنحك الفرصة للسفر والتجوال في المدن الأخرى. سواء كان الأمر يتعلق برياضة المشي في أعالي جبال الأطلس بشمال أفريقيا أو الاسترخاء والاستمتاع بأشعة الشمس على شواطئ جنوب أفريقيا، فإننا نضمن لك عدم الشعور بالملل.
كل شخص في مراكز التطوع مع المؤسسة في أفريقيا لديه الفرصة للعيش مع عائلة مضيفة. ستجد أن حفاوة أفراد الأسرة المضيفة لا تصدق إضافة إلى كونهم سيكونون حريصين على معرفة كل شيء عن حياتك وعن بلدك. خذ الكثير من الصور معك وكن مستعدا للكثير من الأسئلة. كل ذلك بمبالغ زهيدة.
منذ فترة أصبح يأتينا شباب الخليج العربي... ظرفاء، يخلقون جوا من المرح في القرية... يعشقون الحياة ويعشقون القهوة ويعشقون هواتفهم.
عندما يرحل الجميع، نبقى كم نحن... بؤساء.
ورغم محاولات البعض المستميتة في إخفاء نظرة العطف، إلا أنهم يفشلون في إخفاء نظرة الإشمئزاز.
إحداهن جاءت بآلات تصوير حديثة ومنوعة، كانت تتجول في القرية وتصور كل ما تقع عليه عيناها... عيناها لم تكن جميلة... عيناك أجمل منها، هكذا قلت لصديقتها التي بدى عليها أنها جاءت من أجل الخدمة والتطوع حقا، وليس من أجل السياحة التطوعية.
إن مفهوماً مثل السياحة التطوعية يقتل مفهوماً أصيلاً مثل التطوع، ليس لأنها معيبة أو أحد مفاهيم الرأسمالية المستفزة، بل هي ربما توفر للشاب تجربة تطوعية مكثفة، ولكن لأنها تجعلنا نحن البشر معروضات لآخرين!
أعتقد أن التوثيق أحد المصادر الأساسية لتجفيف منابع الرحمة وفيضان منابع الأموال.
زوروني في قريتي... صوروني وصوروا جدتي، ولن أمانع من أن أبدي مشاعر اللهفة وأنا أتسلم بعض ما تجود به أنفسكم الكريمة، ولن أمانع من أن أقول كلمة بلغتي الأم للمتابعين لكم في مواقع التواصل أعبر فيها عن شكري للمؤسسة أو للفريق التطوعي أو للقطاع الذي أرسلكم.
ولكني أذكر أننا في أيام قديمة لم نكن نحتاج إلى كل ذلك.
كان من يأتي يعمل في صمت، ونحن نأخذ في صمت.
الصمت بالنسبة لنا رحمة، في عالم مليء بالضجيج في صراعه على الثروات.
جدتي تروي قصصاً كثيرة عن عبدالرحمن السميط، رحمه الله، الذي كان يعمل في صمت... عندما يسقط التوثيق... تظهر الرحمة.
كاتب كويتي
@moh1alatwan
مرحبا ...أنا عبدالقادر
No comments:
Post a Comment